19 - 05 - 2025

عجاجيات | مايوه ستي نفيسة

عجاجيات | مايوه ستي نفيسة

كانت ستى نفيسة رحمة الله عليها فائقة الجمال حتى بعد ان تخطت السبعين من عمرها.. كانت ممشوقة القوام مثل عود الخيزران.. كانت تسحر كل رجال قريتنا وهم يرقبونها على استحياء وهى ترتدي المايوه البكينى وتتمخطر على الجسر متجهة الى نهر النيل لممارسة هوايتها المفضلة فى السباحة.. كانت ستى نفيسة مغرمة بشراء المايوهات المستوردة  وتبحث عنها فى مولات ميت غمر وزفتى!

اعتذر عن كلماتى السابقة فهى محض خيال وكذب وافتراء.. فالصحيح ان ستى نفيسة كانت ملامحها حتى وهى فى طريقها للثمانين تشى بجمال واضح فى مرحلة الشباب بقيت آثاره واضحة جلية.. والصحيح انها كانت ممشوقة القوم تتحرك بخفة ورشاقة كما لو كانت ابنة العشرين، غير ان ستى نفيسة لم تخرج يوما من بيت سيدي او جدي كما يقول اهل البندر إلا وهى ترتدي عدة جلاليب فوق بعضها البعض يعلوها جلباب اسود اللون، ولم تخرج يوما الى جسر النيل القريب من منزل الجد الا وهى تغطى رأسها بطرحة سوداء اللون ايضا.. ولم تعرف ستى نفيسة كلمة مايوه ولم تعرف معناها طوال حياتها، ولم تعرف زفتى وميت غمر المولات إلا مؤخرا.. وطوال زياراتى لقريتى الحبيبة سندبسط زفتى غربية لم أر سيدة واحدة او فتاة ترتدي مايوه من أي نوع.

كانت ستى نفيسة السيدة الأولى بلا منازع أو منافس فى منزل سيدي أو جدي، كانت تقود كل سيدات البيت الكبير زوجات وبنات أعمامى وتصدر توجيهاتها لهن بكل حزم، وكانت الراعيةالأولى للأمن والأمان والسلامة فى البيت، تتفقد الفرن المشتعل وتتفقد الكانون المشتعل وتتفقد من صعد الى سطوح المنزل ومن معرض للسقوط من التراس.. تنادي على هذا وتصرخ فى هذا وتؤنب أم هذا.. والكل يستجيب لها بكل الحب.

وكانت ستى نفيسة غاية فى الشفافية تخاف على أولادها وأبناء أولادها من نسمة الهواء الباردة.. كانت تأمر احفادها بالتفرق وتحبسنا داخل الغرف عندما تزورها سيدة مشهورة بأن عينها تفلق الحجر وحسودة جدا.

وكانت ستى نفيسة تخاف علينا من الغرق فى النيل ودائما تصدر أوامرها لأمهاتنا برعايتنا وتفقدنا، وكانت متدينة بالفطرة  تتفكر فى خلق السموات والارض وتعرف الساعة وكم تبقى على أذان الفجر بمجرد النظر إلى النجوم.. وكانت عطوفة جدا على البشر والطير والحيوان وخاصة القطط والكلاب، جيوب جلابيبها لا تخلو أبدا من أطعمة لكل جائع.

رحم الله ستى نفيسة التى انتقلت إلى رحمة الله فى سبعينيات القرن الماضى، والتى تمثل ملايين الجدات والأمهات والسيدات الفضليات فى كل أنحاء مصر المحروسة.
----------------------------
بقلم: عبدالغنى عجاج

مقالات اخرى للكاتب

عجاجيات | إضراب عن الحكمة !